
كانت تلك الأيام عندما كنا نملك العونة، والمتمثلة بالمساعدات والدعم من المجتمع المحلي، جميعنا على يقين بأن عائلتنا، جيراننا، والمجتمع بأكمله تتوفر له إحتياجاته، سواء قادرين على ذلك أم لا.
أخذت العونة بالإختفاء والإضمحلال في ظل سيطرة بنية الإقتصاد النيوليبرالي، وتفككت البنية الإجتماعية والبيئية المتماسكة، لتحل مكانها مباني سكنية شاهقة (من خمس طبقات في معظم الأحيان). مع سيارات تجنح في شوارع مُعبدة، حيث الجيران لا يعرفون أسماء بعضهم البعض، ولا يتفقدون إذا كان أحدهم يحتاج إلى المعونة. هذه هي التنمية، كما يدعي البعض.
أنت تعيش لوحدك، بينما أولئك الذين لم يتمكنوا من الحصول على وظيفة وراتب عليهم أن يتسولوا في الشوارع، أو اللجوء إلى وزارة الشؤون الإجتماعية؛ للحصول على "750" شيكلا كل ثلاثة شهور، وهي المساعدة التي تُقدم للأسر الأكثر فقراً.
بعد أكثر من عشرين عاماً على أوسلو، وضخ المساعدات الدولية على فلسطين، تناسى معظمنا وجود ثروة من الموارد الغنية في مجتمعاتنا وأمام أعيننا.

لكن يبقى السؤال الذي يراودني كم من الوقت نحتاج نحن، لنتمكن من العودة إلى مواردنا الوطنية، وإلى الإقتصاد الأصلي، للعونة؟
إنضممت للعمل في مؤسسة دالية، أول مؤسسة مُجتمعية فلسطينية، تحاول تذكيرنا بثرواتنا الوطنية، في الوقت الذي يمتلك فيه بعض أفراد المجتمع ثروة مالية، فإن البعض الآخر لديه ثروة من نوع آخر، ثروة معرفية، ووفرة من مهارات متنوعة، تُشكل مُجتمعة موارد مجتمعية قيمة. عندما ندرك ما لدينا من موارد ووفرة نقدية وعينية ومعرفية ومهارات، حينها نمتلك العونة.
إن العبر التي نتعلمها من برنامج صندوق "القرية من تقرر" والذي تنفذه مؤسسة دالية، على سبيل المثال، يدل على أننا قادرين على إدراك وإستثمار مواردنا بأنفسنا.
يعمل صندوق القرية مُباشرة مع المجتمعات المحلية لإدراك وتحديد ثرواتهم. في إحدى القرى، قام أهالي القرية بتطوير مكان عام، وبينما تطلب الإصلاح إستثمار نقدي، تمكن أهل القرية من إدراك وإستثمار ما لديهم من مهارات حِرَفيّها ووقتهم.
قرية أخرى عملت على تطوير وسيلة مواصلات عامة داخلية لها، عن طريق تبرعات قدمها أبناء القرية أنفسهم، إضافة إلى خبرات ومهارات إجتمعت من قبل متطوعين القرية لصيانة وتشغيل الحافلة، عائد الدخل من رسوم الحافلة يعود إلى صندوق القرية لتنفيذ مشاريع وإحتياجات مُستقبلية في القرية.
إن النظام الإقتصادي الحالي لا يُثمن مواردنا، فنحن نعيش في فقاعة من الحقن المتكررة للمساعدات الدولية، وعندما نكون "غير مطيعين"، تتوقف هذه الحقن، ونتسائل بذعر ماذا سيحل بنا دون رواتبنا؟ وننسى أننا نعيش في بلاد مُباركة، حيث لايشعر أحد فيها بالجوع، وأن لدينا من إمكانيات وموارد كافية لأن تحل مكان المساعدات الدولية. فعندما نكون بحاجة حقيقية للمساعدات تظهر لنا العونة مرة أخرى، على أتم الإستعداد لتوفير الطعام، الكساء، والمأوى لأي شخص في حاجة إليها.
كتابة: عايشة منصور
ترجمة: أحلام سمارة تدقيق: بسمة ابو صوي
الصور في المقالة تصوير فريد طعم الله، تُظهر العونة وقطف الزيتون في قرية قيرة.